في زمن تتداخل فيه الحدود بين الصورة والواقع، تقف سعاد خفاجي في المنتصف، تحمل كاميرا بيد، وقضية باليد الأخرى، وتسير بثقة وسط طريق مزدحم بالتحديات، تؤمن أن كل لحظة موثقة هي فرصة لصنع وعي، وكل فعل تطوعي هو بذرة لغدٍ أفضل.
هي مخرجة، باحثة، متطوعة، وصوت نسائي قوي يكتب فصله الخاص في رواية الوطن... رواية تُروى بعدسة، وبنبض إنساني لا يُزيفه سيناريو ولا تغطيه إضاءة.
■ الإخراج... حين يتحوّل التعب إلى دهشة
حب سعاد خفاجي للتصوير بدأ مبكرًا، لكنه لم يكن مجرد شغف بل هوية. ترى في الكاميرا أكثر من أداة، إنها امتداد لعينها ووجدانها، تنقل بها حكايات، وتُعبر عن مشاعر، وتُصوّر ما يعجز عنه الكلام.
تقول سعاد:
"أنا بحب التعب بتاع الشغل، من أول ما أرسم الاستوري بورد، وأحضّر التصوير، وأقعد على المونتاج بالساعات... بس أول لما أشوف الفيديو في الآخر، بحس إن كل التعب ده اختفى، وفضلت اللحظة."
تعتبر سعاد أن الإخراج رحلة تعلم لا تنتهي، ولهذا لا تتوقف عن متابعة الجديد، من تقنيات التصوير إلى برامج المونتاج، حتى تظل دائمًا مخرجة تُضيف، لا تُكرر.
■ الإعلام الرقمي... المتحف المفتوح لحكايات الشعوب
بجانب موهبتها الإخراجية، تُعد سعاد حاليًا رسالة ماجستير في الإعلام الرقمي، تركّز فيها على واحد من أعظم أدواره: توثيق التراث الثقافي غير المادي، خاصة في الدول التي يهددها النسيان والتهميش.
ترى سعاد أن الإعلام الرقمي لم يعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبح متحفًا حيًا يُمكنه حفظ الأغاني الشعبية، الرقصات، الصناعات اليدوية، والحكايات الشفوية التي أوشكت على الانقراض.
"التراث الإفريقي مثلًا غني جدًا، لكنه مهدد لأنه مش موثق كفاية. لو قدرنا نستخدم السوشيال ميديا في إننا نوثق وننشر الحكايات دي، إحنا بنحافظ على هوية كاملة."
■ العمل العام... صورة تُلتقط ويد تُمد
سعاد ليست مخرجة فقط، بل متطوعة نشطة في الهلال الأحمر المصري، ومبادرة حياة كريمة، ومبادرة رائدات مصر. تؤمن أن الكاميرا لا تكتمل مهمتها إلا إذا نزلت إلى الميدان، وعاشت الواقع.
في "حياة كريمة"، تشغل منصب مسؤول ملف الميديا عن قطاع شرق القاهرة، حيث لا تكتفي بالتوثيق، بل تُدير حملات إعلامية توصل إنجازات المبادرة إلى الناس، وتفتح باب الوعي والمشاركة.
"الصورة ممكن تغيّر رأي، تفتح حوار، أو تخلّي حد يقول: أنا كمان عايز أشارك."
وفي الهلال الأحمر، تعلّمت أن المساعدة لا تحتاج كاميرا، بل قلب. وفي "رائدات مصر"، وجدت رسالتها الأعمق: تمكين المرأة من أن تكون شريكًا حقيقيًا في بناء المجتمع، لا خصمًا للرجل، ولا تابعًا له.
■ دعم المرأة... صناعة جيل لا يُكسر
سعاد ترى أن دعم المرأة مش علشان تبقى أقوى من الرجل، لكن علشان تكون سند حقيقي ليه. تقول:
"الست هي اللي بتربي، وهي اللي بتغرس القيم، وهي اللي بتعلّم. لو قوّينا الست، إحنا بنبني جيل كامل، قوي ومثقف ومحب لوطنه."
وتحرص في أعمالها الفنية والمجتمعية على إبراز نماذج نسائية ملهمة، وتسعى لخلق محتوى يُقدّم المرأة كما هي: قائدة، متعلّمة، مُبدعة، ومؤثرة.
الخلاصة
سعاد خفاجي ليست فقط اسمًا في قائمة المخرجات أو المتطوعات أو الباحثات، بل هي نموذج عصري للمرأة المصرية القوية: مَن تُخرِج صورة، وتُخرِج فكرة، وتُخرِج موقفًا صادقًا من قلبها إلى شاشة الناس.
هي تعرف جيدًا أن طريق النجاح ليس مفروشًا بالورود، وأن التعب جزء من المعادلة، لكنها تُصر دائمًا أن تجعل من كل تحدٍ قصة، ومن كل مشروع رسالة، ومن كل مشهد "فرصة للتغيير".
في كل مشهد تُخرجه، وفي كل مبادرة تشارك فيها، تُثبت سعاد أن الفن والتطوع والمعرفة... ليست طرقًا متوازية، بل طريق واحد... اسمه: "أنا مواطنة بتحب بلدها."
0 تعليقات